Thursday, 6 March 2014

الكشف عن فضائح الفساد في لبنان: مَن يحاسب مَن؟


إنفجرت فضائح الفساد الإجتماعي والصحي والبيئي في لبنان دفعةً واحدة، وكأن هناك من اكتشف قارة اتلانتيس! نعم يا جماعة… هناك فساد!

وخلال بضعة أيام، وتحت عنوان اكتشاف الفساد، تحوّل لبنان إلى بلد مخيف بالفعل. كل شيء فيه يدعو إلى القلق: الغذاء والماء والدواء واستخراج النفط وتوفير الكهرباء… وحتى العديد من الأبنية فيه والجسور صارت موضع تشكيك، وظنّ كل لبناني أن لا خيمة فوق رأسه تحميه، وأنه يقيم تحت سقوف تترنّح وقد تسقط في أية لحظة!

وفجأة وفي لحظة واحدة، إكتشف البعض أن ما من شيء في لبنان إلاّ وينخره الفساد. وفي اللحظة الأكثر حساسية في تاريخ الشرق الأوسط، وفيما أنظمة وخرائط تهتزّ أو تسقط، جرى إشغال اللبنانيين بخصوصيات أمنهم الغذائي والصحي والإجتماعي. ورأينا وزيرين على شاشات التلفزة وهما يكيلان التهم بالفساد وكل منهما يلوّح بـ”وثائقه”!

السؤال الملحّ هنا: هل من يشنّ هذه الحملة مؤهل لأن يفعل ذلك؟ ومنذ متى صار لبنان مصاباً بهذا الحجم من الفساد في معظم مرافقه وقطاعاته؟ المحاضرون في الفساد… هم أربابه! والمؤكد أن هناك تجاوزات ومخالفات في مجال الأمن الإجتماعي في لبنان، يكون أعمى مَن لا يراها. وثمة فضائح سبق كشْفُها على مدى السنوات الأخيرة، وأُحيلَ أصحابُها إلى القضاء، وبعضهم تعرّض لعقوبات أدت إلى إقفال المؤسسات. لكن هناك في المقابل تجاوزات مستمرة لأن أبطالها محميّون، ولا يجرؤ الأمن على اعتقالهم، ولا القضاء على محاسبتهم، ولا الإعلاميون ومنظمات المجتمع المدني على الإشارة إليهم بالإصبع! وهنا يعيش الفساد الحقيقي ويعشّش ويستحكم… بعيداً عن الرقيب والحسيب.

والحملة الجارية اليوم لكشف الفساد والفاسدين ضرورية لكنها ليست محايدة. فجزء كبير من الطاقم السياسي الذي يهلّل لكشف الفساد والفاسدين، هو الأساس الحقيقي لمنظومة الفساد في لبنان، أو لـ “مدرسة الفساد اللبنانية”. وأبطال هذا الفساد يقومون اليوم على الأرجح بإثارة الغبار حول ملفات فضائحية معيّنة، قد تكون محقّة أو لا تكون، بهدف التغطية على فضائح أكبر منها بكثير وأشدّ رعباً!

وإلاّ، فلماذا بقي هذا الفساد مُصاناً طي الكتمان واللفلفة على مدى عشرات السنين، ليتمّ تظهيره دفعة واحدة، وفي توقيت معيّن؟ فلبنان بلد صغير، والناس فيه يعرفون بعضهم بعضاً، والجميع فيه يتشاركون إدارة الشأنين العام والخاص، ونادر مَن يستطيع الإدعاء بأنه يمتلك المناعة لشنّ الحملات على الآخرين، ومعظم اللاعبين بيوتُهم من زجاج، ولا يمكنهم رشق الآخرين بالحجارة!